التسميد في الأراضي المالحة: دليل المزارع الذكي لتقوية النباتات ومقاومة الملوحة.
تعرف في هذا المقال على أفضل طرق التسميد في الأراضي المالحة، وكيفية مواجهة تأثير الملوحة على النباتات من خلال العناصر الغذائية والمحفزات الحيوية، لتحقيق إنتاج زراعي قوي ومستدام.
تحية خضراء طيبة لكل المزارعين والمهتمين بعالم الزراعة المستدامة في وطننا العربي. إن الزراعة ليست مجرد مهنة، بل هي علم وفن وإرث حضاري يحمل في طياته رسالة الحياة والازدهار. واليوم سنتحدث عن أحد أهم التحديات التي تواجه المزارعين في المناطق الجافة وشبه الجافة، ألا وهو تسميد الأراضي المالحة، وكيف يمكن تحويل هذه الأراضي الصعبة إلى مصدر إنتاجي ناجح بالعناية والإدارة الصحيحة.
ما المقصود بالأراضي المالحة؟
الأراضي المالحة هي تلك التي تحتوي على تركيزات مرتفعة من الأملاح الذائبة في محلول التربة، خاصة أملاح الصوديوم والكلور والكبريتات. هذه الأملاح تتراكم غالبًا بسبب الري بمياه مالحة أو ضعف الصرف أو ارتفاع منسوب المياه الجوفية. وعندما تزيد نسبة الملوحة عن الحد المقبول، تبدأ النباتات بالشعور بالعطش رغم توافر المياه، ويتراجع نموها وإنتاجها تدريجيًا.
تتسبب الملوحة العالية في خلل في توازن الماء داخل النبات نتيجة اختلاف الضغط الأسموزي بين محلول التربة وخلايا الجذر، مما يعيق امتصاص الماء والعناصر الغذائية. وهكذا تدخل النباتات في حالة من الإجهاد تعرف باسم إجهاد الملوحة، وهي حالة تجمع بين العطش ونقص التغذية في آن واحد.
كيف تؤثر الملوحة على النباتات؟
عندما يكون تركيز الأملاح خارج الجذر أعلى مما هو داخل الخلايا النباتية، فإن حركة الماء تنقلب في الاتجاه المعاكس، أي من الجذر إلى التربة، مما يؤدي إلى جفاف الأنسجة النباتية حتى وإن كانت التربة رطبة. إضافة إلى ذلك، فإن تراكم عناصر مثل الصوديوم والكلور داخل النبات يؤدي إلى سُمية خلوية تظهر على شكل حروق على أطراف الأوراق واصفرار مبكر للنبات.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فالصوديوم الزائد يمنع امتصاص عناصر ضرورية مثل البوتاسيوم والكالسيوم والمغنيسيوم، مما يؤدي إلى اضطراب في العمليات الحيوية للنبات مثل البناء الضوئي ونقل العناصر داخل الأنسجة. هذا التداخل في الامتصاص يجعل النبات ضعيفًا في مواجهة الحرارة أو الجفاف أو الأمراض الفطرية، وبالتالي تنخفض إنتاجيته بشكل ملحوظ.
التسميد الذكي في الأراضي المالحة
التعامل مع الأراضي المالحة ليس مجرد إضافة سماد عشوائي، بل هو إدارة علمية متكاملة تهدف إلى تقليل تأثير الأملاح وتعويض العناصر التي تعيق الملوحة امتصاصها. ويعتمد نجاح المزارع على اختياره لأنواع الأسمدة المناسبة وطريقة استخدامها وتوقيتها، بما يتناسب مع نوع التربة والمحصول ومستوى الملوحة.
الكالسيوم: خط الدفاع الأول ضد الملوحة
يُعد الكالسيوم (Ca) أحد أهم العناصر التي يجب التركيز عليها في الأراضي المالحة. فالكالسيوم يحل محل الصوديوم على سطح جسيمات التربة، مما يساعد على طرد الصوديوم الضار وتحسين بنية التربة وقدرتها على الصرف والتهوية. كما أنه يقوي جدر الخلايا النباتية، ويقلل من تسرب الأملاح داخل الأنسجة.
من أفضل مصادر الكالسيوم في التسميد الزراعي نترات الكالسيوم والجبس الزراعي (كبريتات الكالسيوم)، حيث يُضاف الجبس لتحسين خواص التربة الفيزيائية، بينما يوفر نترات الكالسيوم تغذية مباشرة للنبات.
البوتاسيوم: العنصر المقاوم للإجهاد
يلعب البوتاسيوم (K) دورًا رئيسيًا في تنظيم توازن الماء داخل النبات، وهو العنصر الذي يمنح الخلايا النباتية مرونتها وقدرتها على مقاومة الجفاف. في التربة المالحة، يتنافس الصوديوم مع البوتاسيوم على مواقع الامتصاص في الجذور، لذلك يجب تزويد النبات بكمية كافية من البوتاسيوم لتعويض الفاقد.
يُفضل استخدام نترات البوتاسيوم كمصدر نظيف وخالٍ من الكلور، ويمكن تطبيقه عبر أنظمة الري أو الرش الورقي لتقوية النبات وتحسين امتصاص الماء والعناصر الغذائية الأخرى.
الفوسفور: بناء الجذور في بيئة صعبة
غالبًا ما يؤدي ارتفاع الملوحة إلى زيادة درجة القلوية (pH) في التربة، مما يجعل الفوسفور غير قابل للذوبان في صورة يستطيع النبات امتصاصها. لذلك يُعد الفوسفور (P) عنصرًا حاسمًا في الأراضي المالحة لبناء نظام جذري قوي يساعد النبات على امتصاص الماء والعناصر الأخرى.
يمكن استخدام حمض الفوسفوريك أو سوبر فوسفات الكالسيوم أو فوسفات الأمونيوم مع مراعاة ضبط درجة الحموضة في مياه الري لضمان استفادة النبات من الفوسفور المضاف.
الأحماض العضوية: المساعد الطبيعي للنبات
من أهم التقنيات الحديثة في تسميد الأراضي المالحة استخدام المحفزات الحيوية (Biostimulants) التي تعمل كمقويات طبيعية للنبات، وتقلل من تأثير الإجهاد الملحي. وتشمل هذه المحفزات الأحماض الأمينية، والأحماض الهيومية والفولفيكية.
تعمل الأحماض الأمينية كمصدر طاقة سريع للنبات، وتساعده في تكوين البروتينات والأنزيمات اللازمة لتحمل الإجهاد. أما الهيوميك والفولفيك أسيد فهما يحسنان بنية التربة ويزيدان قدرتها على الاحتفاظ بالماء والعناصر الغذائية، كما يسهلان امتصاص العناصر الصغرى في بيئة مرتفعة الملوحة.
التسميد الورقي: طريق التغذية السريع
عندما تتعطل الجذور بسبب الملوحة، فإن الرش الورقي للعناصر الغذائية يصبح ضرورة وليس خيارًا. التسميد الورقي يتيح للنبات امتصاص العناصر مباشرة عبر الأوراق، متجاوزًا مشكلة الملوحة في منطقة الجذر.
يفضل رش العناصر الصغرى مثل الحديد، والزنك، والمنغنيز، والنحاس بتركيزات مدروسة، خاصة خلال مراحل النمو الحرجة، إذ تسهم هذه العناصر في تحسين التمثيل الغذائي ومقاومة الإجهاد. ويمكن خلط الأحماض الأمينية أو الهيوميك مع محلول الرش لزيادة كفاءة الامتصاص.
تحسين الصرف والري في الأراضي المالحة
من الخطوات المكملة للتسميد في الأراضي المالحة تحسين نظام الري والصرف. يجب استخدام مياه ذات ملوحة منخفضة قدر الإمكان، وتطبيق الري على فترات قصيرة وبكميات مدروسة لتجنب تراكم الأملاح. كما يُنصح بالري الغزير أحيانًا لطرد الأملاح الزائدة من منطقة الجذور فيما يعرف بعملية الغسيل (Leaching).
إضافة مواد مثل الجبس الزراعي تساعد كذلك على طرد الصوديوم من التربة وتحسين نفاذية الماء، ما يخلق بيئة أفضل للجذور ويزيد من كفاءة امتصاص العناصر.
الخلاصة
إن تسميد الأراضي المالحة ليس مجرد عملية تسميد روتينية، بل هو فن إدارة توازن دقيق بين النبات والتربة والماء. المزارع الذكي يدرك أن النجاح في هذه الأراضي يتحقق من خلال خطة متكاملة تجمع بين اختيار العناصر الصحيحة (الكالسيوم، البوتاسيوم، الفوسفور)، واستخدام المحفزات الحيوية، وتطبيق التسميد الورقي، وتحسين الصرف والري.
بهذه الخطوات يمكن تحويل الأرض المالحة من عبء إلى مصدر إنتاج مستدام، وتصبح الزراعة أكثر قدرة على مواجهة التغيرات المناخية والبيئية.
إعداد المقال: فريق "خليها تخضر"
شكرًا لقراءتك هذا المقال ونتمنى لك زراعة ناجحة ومثمرة
لا تنسَ متابعة مدونتنا قسم ( التغذية النباتية) لمزيد من المعلومات الزراعية المفيدة بهذا الخصوص
مصدر الصورة: للمؤلف وكاتب هذا المقال فريق خليها تخضر
التسميد الأمثل في الأراضي المالحة: دليل المزارع الذكي لمواجهة الإجهاد الملحي
التسميد في الأراضي المالحة: دليل المزارع الذكي لتقوية النباتات ومقاومة الملوحة. تعرف في هذا المقال على أفضل طرق التسميد في الأراضي المالحة، ...