مقال علمي شامل يوضح تأثير التغيرات المناخية على إنتاجية وجودة الفستق الحلبي مع عرض التجارب العالمية الناجحة والتوصيات العلمية لمواجهة التحديات.
تحية علمية للقراء
أعزاءنا المزارعين والباحثين والمهتمين بالزراعة المستدامة نرحب بكم في هذا المقال العلمي من مدونة "خليها تخضر" حيث نسلط الضوء على أحد أهم المحاصيل البعلية في المناطق الجافة وهو الفستق الحلبي الذي أصبح محورًا رئيسيًا في النقاشات حول التغير المناخي وتأثيراته على الأمن الغذائي وجودة المحاصيل
المتطلبات المناخية الأساسية للفستق الحلبي
الفستق الحلبي شجرة متوسطة الحجم تنتمي إلى عائلة الكاشيات وتتميز بقدرتها على النمو في البيئات الجافة وشبه الجافة ومع ذلك فإن هذه القدرة مرتبطة بشروط مناخية دقيقة تضمن انتظام الإنتاج وجودة الثمار
من أهم هذه المتطلبات الحاجة إلى فترة برودة شتوية تمتد لقرابة 600 ساعة تحت 7 درجات مئوية حيث يساعد ذلك على كسر طور السكون وتحفيز البراعم على الإزهار المنتظم وعندما يقل عدد ساعات البرودة كما حدث في حلب بسوريا حيث سجل نقصًا يقارب 218 ساعة خلال عقدين فإن ذلك ينعكس مباشرة على عقد الأزهار ونسبة الثمار الممتلئة
إضافة إلى ذلك فإن الفستق يحتاج إلى درجات حرارة صيفية مرتفعة نسبيا حيث يبدأ نموه الفعال بعد 15 درجة مئوية ويحتاج إلى تراكم حراري يبلغ حوالي 2100 وحدة حرارية من بداية الإزهار وحتى النضج في نهاية أغسطس وتعتبر الحرارة المثلى بين 38 و45 درجة مئوية بينما تستطيع الأشجار تحمل درجات حرارة تصل حتى 50 درجة مئوية
أما بالنسبة للأمطار فيتراوح المعدل السنوي المناسب بين 200 و400 مليمتر بحسب نوع التربة حيث تحتاج الترب الرملية إلى كميات أقل بينما تحتاج الترب الثقيلة إلى كميات أكبر ويُعد توزيع الأمطار أهم من كميتها إذ أن أمطار فبراير تحدد إنتاج الموسم بينما تساهم أمطار مارس في تحسين عقد الأزهار في حين أن الأمطار الغزيرة في أبريل قد تضر بالتلقيح الطبيعي
الرطوبة الجوية تمثل عاملاً حساسًا أيضًا إذ أن ارتفاعها أثناء الإزهار يؤدي إلى غسل حبوب اللقاح وتقليل فرص التلقيح كما تزيد من فرص الإصابة الفطرية لذلك فإن المناطق الجافة ذات التهوية الجيدة تمثل بيئة مثالية للفستق
وتبقى الرياح والضوء عاملين مكملين حيث تؤدي الرياح الشديدة إلى تساقط الثمار بينما يساهم الضوء المباشر في تعزيز الجودة والنكهة حتى أطلق عليها المزارعون اسم شجرة الضوء
تأثير التغير المناخي على إنتاجية الفستق الحلبي
تشير الدراسات الميدانية إلى أن التغيرات المناخية مثل ارتفاع درجات الحرارة ونقص ساعات البرودة وعدم انتظام الأمطار قد أثرت بشكل كبير على إنتاجية الفستق الحلبي في مناطق إنتاجه التقليدية فقد سجلت حلب تراجعًا في الإنتاجية بنسبة 42% خلال عشرين عامًا بينما كان التراجع في مناطق شمال سوريا أقل بكثير إذ لم يتجاوز 11.4% وهذا يوضح أن التأثير المناخي يختلف باختلاف الخصائص المحلية لكل منطقة
المشكلة الأولى التي يواجهها المزارعون هي عدم تزامن تفتح الأزهار الذكرية والأنثوية حيث يؤدي نقص البرودة إلى تفتح مبكر للأزهار الذكرية مما يقلل فرص التلقيح ويزيد من نسبة الثمار الفارغة التي قد تصل إلى 30% في بعض المواسم
المشكلة الثانية هي الجفاف خلال فترة ملء الثمار حيث يتكون الغلاف الخارجي أولاً بينما يحتاج امتلاء البذرة الداخلية إلى توفر رطوبة كافية في شهري يوليو وأغسطس وعندما ينقطع المطر أو لا يتوفر الري الكافي تنتج الأشجار ثمارًا مجوفة لا تصلح للتسويق
إضافة إلى ذلك فإن التغيرات المناخية أدت إلى خسائر اقتصادية مباشرة إذ انخفض متوسط الإنتاجية في سوريا إلى ما يقارب 6.8 كغم للشجرة الواحدة بينما تتراوح إنتاجية المزارع الإسبانية الحديثة بين 10 و20 طنًا للمزرعة
التجارب العالمية الناجحة في مواجهة التغير المناخي
إسبانيا تمثل تجربة بارزة في التكيف مع المناخ الحار والجاف حيث تحولت مساحات واسعة من زراعة الحبوب والعنب إلى الفستق الحلبي منذ عام 2007 نتيجة تحمله للجفاف وارتفاع الحرارة فوق 45 درجة مئوية وقد بلغت المساحة المزروعة أكثر من 80 ألف هكتار ويصدر 90% من الإنتاج إلى أوروبا بأسعار تتراوح بين 10 و11 يورو للكيلوغرام
اعتمد المزارعون الإسبان على أسلوب الري العميق غير المتكرر بمعدل مرة كل أسبوعين تقريبًا في الترب الرملية مع تجنب الإفراط في الري للحفاظ على الجذور سليمة كما استخدموا مصدات الرياح لتقليل التساقط المبكر للثمار حيث ساعد ذلك على تقليص فترة الوصول إلى الإنتاج التجاري من خمس سنوات إلى ثلاث سنوات فقط
أما في سوريا فقد أظهرت بيانات البحوث المناخية أن اعتماد نظام متابعة دقيقة للتغيرات المناخية مثل مشروع دراسة الفترة 1982-2002 ساعد على وضع خطط للتكيف مثل التوسع في الأصناف الأكثر مرونة وإدخال أنظمة ري تكميلية محدودة
التوصيات العلمية لتعزيز مرونة أشجار الفستق
من أهم التوصيات استخدام أصناف متأقلمة مع نقص ساعات البرودة مثل الأصناف المزروعة في إسبانيا والتي أثبتت كفاءتها في ظروف معتدلة البرودة
كما أن إدارة الرطوبة تعد عاملاً رئيسيًا حيث ينصح بتجنب الري العلوي في الصيف لتفادي الأمراض الفطرية مع الالتزام بالري العميق المتباعد الذي يحافظ على رطوبة متوازنة للجذور
التقليم يعد من العمليات الحاسمة حيث يُفضل التقليم الصيفي في يونيو لتعزيز التفرع الجانبي بينما يتم التقليم الخامل في الخريف للحفاظ على مركز الشجرة مفتوحًا مما يسهل دخول الضوء والتهوية
اختيار التربة الملائمة يمثل أساسًا آخر لنجاح الفستق حيث تنجح زراعته في الترب الرملية الجيرية أو الكلسية ذات التصريف الجيد ودرجة الحموضة القريبة من القلوية بين 7 و8
كما يوصي الباحثون بتطوير برامج إنذار مبكر للصقيع الربيعي عبر محطات مناخية محلية إلى جانب إمكانية استخدام أنظمة الرذاذ المائي لحماية الأزهار عند انخفاض الحرارة إلى ما دون درجتين مئويتين تحت الصفر
الخاتمة
يمكن القول إن الفستق الحلبي رغم كونه محصولًا يتحمل الجفاف إلا أنه حساس بشكل كبير للتوازن المناخي بين البرودة الشتوية والحرارة الصيفية وقد بينت التجارب أن النجاح في زراعته لا يعتمد فقط على التحمل الطبيعي للشجرة بل على الإدارة الذكية للموارد المناخية والمائية نجاح إسبانيا في تحويل عشرات آلاف الهكتارات إلى هذا المحصول الاستراتيجي يفتح الباب أمام دول الشرق الأوسط لإعادة النظر في سياساتهم الزراعية وتوسيع نطاق الفستق كمحصول اقتصادي مهم ولتحقيق ذلك لا بد من الاستثمار في تطوير أصناف أكثر تكيفًا مع تغير المناخ وتبني استراتيجيات إدارة مزارع حديثة قادرة على مواجهة التحديات المقبلة
إعداد المقال: فريق "خليها تخضر"
شكرًا لقراءتك هذا المقال ونتمنى لك زراعة ناجحة ومثمرة
لا تنسَ متابعة مدونتنا قسم ( الحبوب ) لمزيد من المعلومات الزراعية المفيدة بهذا الخصوص
مصدر الصورة : للمؤلف وكاتب هذا المقال فريق خليها تخضر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق