تعرف على أسرار نجاح أجدادنا في زراعة بساتين النخيل الواسعة بالعراق دون مبيدات أو منشطات.
مقدمة
قبل أن تظهر المجذر والمبيدات والمحسنات الحديثة كانت بساتين النخيل العراقية تمتد على مد البصر وتنتج من التمور ما جعل العراق يتصدر العالم في إنتاج النخيل لعقود طويلة والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف تمكن أجدادنا من زراعة تلك المساحات الواسعة من النخيل ونجحت لديهم الفسائل دون محفزات أو مواد كيميائية؟ في هذا المقال نكشف أسرار نجاحهم وعمق فهمهم للطبيعة والزراعة المستدامة
الاعتماد على الفطرة الزراعية والخبرة التراكمية
اعتمد الفلاح العراقي القديم على فهم دقيق للدورة الزراعية وفصول السنة والرياح الموسمية ودورات المد والجزر دون أن يمتلك أدوات رقمية أو أجهزة استشعار بل كانت الأرض نفسها هي دليله فكان يراقب أوراق الأشجار وتغير لون الماء في السواقي ويعرف من ذلك الوقت المناسب للغرس أو الري أو التسميد
اختيار فسائل قوية وطبيعية من النخيل الأم
أهم قاعدة لدى الأجداد كانت أخذ الفسائل من نخلة أم أثبتت إنتاجيتها وصحتها عبر سنوات طويلة وكان يتم اختيار الفسيلة الناضجة بعناية ثم تُفصل يدوياً في موسم معين بعد أن تُترك لتتشبث بجذرها الأصلي مدة كافية حتى تنمو جذور أولية هذا التدرج في النمو كان يساهم في نجاح الزراعة دون حاجة لمحفزات تجذير
توفير الظل والرطوبة الطبيعية لنجاح الفسيلة
عند غرس الفسيلة كان الأجداد يعتمدون على نظام بسيط لكنه فعال لتقليل التبخر وتأمين الظل حيث تُغرس الفسائل بين نخيل بالغ أو قرب جدران طينية ما يوفر بيئة معتدلة الرطوبة ويحميها من شمس الصيف القاسية وكذلك كانوا يستخدمون جريد النخيل الجاف لتغطية قاعدة الفسيلة
نظام الري بالغمر والري الفطري
اعتمدوا على الري الفطري الطبيعي أو الغمر وفقاً لطبيعة الأرض فكان الفلاح يعرف طبيعة تربته إن كانت طينية ثقيلة أو رملية خفيفة ويحدد نوع الري المناسب وكانوا يتحكمون في مسارات المياه باستخدام الفلاليح والبوابات الطينية ما يمنع الغرق الزائد أو الجفاف دون أن يحتاجوا لمجسات رطوبة أو أنظمة ري بالتنقيط
المكافحة الطبيعية دون مبيدات
كانوا يعتمدون على التوازن البيئي حيث تنتشر طيور مثل الهدهد والبلابل التي تتغذى على الحشرات الضارة كما أن التنوع النباتي حول بساتين النخيل كالبرسيم أو اللوبياء أو نباتات عطرية مثل الريحان والنعناع يساهم في طرد الحشرات أو جذب الحشرات النافعة التي توازن النظام البيئي ولا تسمح بتفشي الآفات
دور المجتمع والعادات الزراعية
الزراعة في تلك الفترات كانت جماعية والمعلومة الزراعية تنتقل من جيل إلى جيل شفاهياً وكان هناك تقويمات زراعية تقليدية مثل "الاربعينية" و"جمرة القيظ" يعرف الفلاح من خلالها توقيت الخدمة أو التقليم أو الجني كما أن العمل الجماعي والمشاركة المجتمعية في الفلاح والري والنخيل وفرت دعماً دائماً لكل فلاح مبتدئ
السماد العضوي الطبيعي أساس الخصوبة
قبل ظهور الأسمدة الكيماوية كانت مخلفات الحيوانات وروث الأغنام وورق الأشجار المتساقط توضع في حفر وتُترك لتتخمر وتُستخدم كأسمدة طبيعية وهذا ما حافظ على خصوبة التربة وزيادة المادة العضوية فيها وجعل الأرض تحتفظ برطوبتها وتحافظ على الجذور
الاستفادة من التقنيات البسيطة دون تعقيد
رغم أن الوسائل كانت يدوية وبسيطة لكن الأجداد عرفوا كيف يستخدمون ما هو متاح مثل استخدام "المنجل" في التنظيف الدقيق أو السلاليف المصنوعة من سعف النخيل لنقل الفسائل أو تخزين التمر كما أن البيوت الطينية التي بنوها قرب البساتين خففت من حرارة الصيف وساعدت على تخزين الفسائل بشكل آمن
خاتمة
إن نجاح أجدادنا في زراعة بساتين النخيل دون الحاجة إلى محفزات أو مبيدات ليس مجرد صدفة بل هو نتيجة انسجام عميق مع البيئة ومعرفة عملية تراكمت عبر قرون طويلة ولعل العودة إلى بعض تلك الأساليب التقليدية يشكل اليوم نموذجاً للزراعة المستدامة والعضوية التي تحترم الأرض وتحفظ مواردها
إعداد المقال: فريق "خليها تخضر"
شكرًا لقراءتك هذا المقال ونتمنى لك زراعة ناجحة ومثمرة
لاتنسى متابعة مدونتنا قسم (النخيل ) لمزيد من المعلومات الزراعية المفيدة بهذا الخصوص
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق